الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} قوله تعالى}الحمد لله فاطر السماوات والأرض} يجوز في }فاطر} ثلاثة أوجه: الخفض على النعت، والرفع على إضمار مبتدأ، والنصب على المدح. وحكى سيبويه: الحمد لله أهل الحمد مثله وكذا }جاعل الملائكة}. والفاطر: الخالق. وقد مضى في }يوسف} وغيرها. والفطر. الشق عن الشيء؛ يقال: فطرته فانفطر. ومنه: فطر ناب البعير طلع، فهو بعير فاطر. وتفطر الشيء تشقق. وسيف فطار، أي فيه تشقق. قال عنترة: والفطر: الابتداء والاختراع. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما }فاطر السموات والأرض} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها. والفطر. حلب الناقة بالسبابة والإبهام. والمراد بذكر السموات والأرض العالم كله، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة. }جاعل الملائكة} لا يجوز فيه التنوين، لأنه لما مضى. }رسلا} مفعول ثان، ويقال على إضمار فعل؛ لأن }فاعلا} إذا كان لما مضى لم يعمل فيه شيئا، وإعمال على أنه مستقبل حذف التوين منه تخفيفا. وقرأ الضحاك }الحمد لله فطر السموات والأرض} على الفصل الماضي. }جاعل الملائكة رسلا} الرسل منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، صلى الله عليهم أجمعين. وقرأ الحسن}جاعل الملائكة} بالرفع. وقرأ خليد بن نشيط }جعل الملائكة} وكله ظاهر. }أولي أجنحة} نعت، أي أصحاب أجنحة. }مثنى وثلاث ورباع} أي اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة؛ ينزلون بهما من السماء إلى الأرض، ويعرجون من الأرض إلى السماء، وهي مسيرة كذا في وقت واحد، أي جعلهم رسلا. قال يحيى بن سلام: إلى الأنبياء. وقال السدي: إلى العباد برحمة أو نقمة. قوله تعالى}يزيد في الخلق ما يشاء} أي في خلق الملائكة، في قول أكثر المفسرين؛ ذكره المهدوي. وقال الحسن}يزيد في الخلق} أي في أجنحة الملائكة ما يشاء. وقال الزهري وابن جريج: يعني حسن الصوت. وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب. وقال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، فقال: (أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرا). وقال قتادة}يزيد في الخلق ما يشاء} الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم. وقيل: الخط الحسن. وقال مهاجر الكلاعي قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} قوله تعالى}ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} وأجاز النحويون في غير القرآن }فلا ممسك له} على لفظ }ما} و}لها} على المعنى. وأجازوا }وما يمسك فلا مرسل لها} وأجازوا }ما يفتح الله للناس من رحمة} (بالرفع) تكون }ما} بمعنى الذي. أي إن الرسل بعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله. وقيل: ما يأتيهم به الله من مطر أو رزق فلا يقدر أحد أن يمسكه، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أحد على أن يرسله. وقيل: هو الدعاء: قاله الضحاك. ابن عباس: من توبة. وقيل: من توفيق وهداية. قلت: ولفظ الرحمة يجمع ذلك إذ هي منكرة للإشاعة والإبهام، فهي متناولة لكل رحمة على البدل، فهو عام في جميع ما ذكر. وفي موطأ مالك: أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية }ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}. }وهو العزيز الحكيم} تقدم. {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} قوله تعالى}يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم} معنى هذا الذكر الشكر. }هل من خالق غير الله} يجوز في }غير} الرفع والنصب والخفض، فالرفع من وجهين: أحدهما: بمعنى هل من خالق إلا الله؛ بمعنى ما خالق إلا الله. والوجه الثاني: أن يكون نعتا على الموضع؛ لأن المعنى: هل خاق غير الله، و}من} زائدة. والنصب على الاستثناء. والخفض، على اللفظ. قال حميد الطويل: قلت للحسن: من خلق الشر؟ فقال سبحان الله! هل من خالق غير الله جل وعز، خلق الخير والشر. وقرأ حمزة والكسائي}هل من خالق غير الله} بالخفض. الباقون بالرفع. }يرزقكم من السماء} أي المطر. }والأرض} أي النبات. }لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} من الإفك (بالفتح) وهو الصرف؛ يقال: ما أفكك عن كذا، أي ما صرفك عنه. وقيل: من الإفك (بالكسر) وهو الكذب، ويرجع هذا أيضا إلى ما تقدم؛ لأنه قول مصروف عن الصدق والصواب، أي من أين يقع لكم التكذيب بتوحيد الله. والآية حجة على القدرية لأنه نفى خالقا غير الله وهم يثبتون معه خالقين، على ما تقدم في غير موضع. {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور} قوله تعالى}وإن يكذبوك} يعني كفار قريش. }فقد كذبت رسل من قبلك} يعزي نبيه ويسليه صلى الله عليه وسلم وليتأسى بمن قبله في الصبر. }وإلى الله ترجع الأمور} قرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيصن وحميد والأعمش وحمزة ويحيى والكسائي وخلف (بفتح التاء) على أنه مسمى الفاعل. واختاره أبو عبيد لقوله تعالى {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} قوله تعالى}يا أيها الناس إن وعد الله حق} هذا وعظ للمكذبين للرسول بعد إيضاح الدليل على صحة قوله: إن البعث والثواب والعقاب حق. }فلا تغرنكم الحياة الدنيا} قال سعيد بن جبير: غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة، حتى يقول: يا ليتني قدمت لحياتي. }ولا يغرنكم بالله الغرور} قال ابن السكيت وأبو حاتم}الغرور} الشيطان. وغرور جمع غر، وغر مصدر. ويكون }الغرور} مصدرا وهو بعيد عند غير أبي إسحاق؛ لأن }غررته} متعد، والمصدر المتعدي إنما هو على فعل؛ نحو: ضربته ضربا، إلا في أشياء يسيرة لا يقاس عليها؛ قالوا: لزمته لزوما، ونهكه المرض نهوكا. فأما معنى الحرف فأحسن ما قيل فيه ما قاله سعيد بن جبير، قال: الغرور بالله أن يكون الإنسان يعمل بالمعاصي ثم يتمنى على الله المغفرة. وقراءة العامة }الغرور} (بفتح الغين) وهو الشيطان؛ أي لا يغرنكم بوساوسه في أنه يتجاوز عنكم لفضلكم. وقرأ أبو حيوة وأبو المال العدوي ومحمد بن المقع }الغرور} (برفع الغين) وهو الباطل؛ أي لا يغرنكم الباطل. وقال ابن السكيت: والغرور (بالضم) ما اغتر به من متاع الدنيا. قال الزجاج: ويجوز أن يكون الغرور جمع غار؛ مثل قاعد وقعود. النحاس: أو جمع غر، أو يشبه بقولهم: نهكه المرض نهوكا ولزمه لزوما. الزمخشري: أو مصدر }غره} كاللزوم والنهوك. {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير} قوله تعالى}إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} أي فعادوه ولا تطيعوه. ويدلكم على عداوته إخراجه أباكم من الجنة، وضمانه إضلالكم في قوله {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} قوله تعالى}أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} }من} في موضع رفع بالابتداء، وخبره محذوف. قال الكسائي: والذي يدل عليه قوله تعالى}فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} فالمعنى: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات. قال: وهذا كلام عربي طريف لا يعرفه إلا قليل. وذكره الزمخشري عن الزجاج. قال النحاس: والذي قال الكسائي أحسن ما قيل في الآية، لما ذكره من الدلالة على المحذوف، والمعنى أن الله جل وعز نهى نبيه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم، كما قال جل وعز قلت: والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال؛ لقوله تعالى يريد: رجعن كلاكلا وصدورا؛ أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها. ومنه قول الآخر: أو مصدرا. {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور} قوله تعالى}والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت} ميّت وميْت واحد، وكذا ميتة وميتة؛ هذا قول الحذاق من النحويين. وقال محمد بن يزيه: هذا قول البصريين، ولم يستثن أحدا، واستدل على ذلك بدلائل قاطعة. وأنشد: إنما المت من يعيش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء قال: فهل ترى بين ميت وميت فرقا، وأنشد: قال: فقد أجمعوا على أن هينون ولينون واحد، وكذا ميّت وميْت، وسيد وسيد. قال}فسقناه} بعد أن قال}والله الذي أرسل الرياح} وهو من باب تلوين الخطاب. وقال ابن عبيدة: سبيله }فتسوقه}، لأنه قال}فتثير سحابا}. الزمخشري: فإن قلت: لم جاء }فتثير} على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت: لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدوة الربانية؛ وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب، أو تهم المخاطب أو غير ذلك؛ كما قال تأبط شرا: فأضربها بلا دهش فخرت صريعا لليدين وللجران لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بزعمه على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب. من جرأته على كل هول، وثباته عند كل شدة وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل}فسقنا} و}أحيينا} معدولا بهما عن لفظة الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه. وقراءة العامة }الرياح}. وقرأ ابن محيصن وابن كثير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي }الريح} توحيدا. وقد مضى بيان هذه الآية والكلام فيها مستوفى. }كذلك النشور} أي كذلك تحيون بعدما متم؛ من نشر الإنسان نشورا. فالكاف في محل الرفع؛ أي مثل إحياء الأموات نشر الأموات. {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} قوله تعالى}من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} التقدير عند الفراء: من كان يريد علم العزة. وكذا قال غيره من أهل العلم. أي من كان يريد علم العزة التي لا ذلة معها؛ لأن العزة إذا كانت تودى إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلة، والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل. }جميعا} منصوب على الحال. وقدر الزجاج معناه: من كان يريد بعبادته الله عز وجل العزة والعزة له سبحانه فإن الله عز وجل يعزه في الآخرة والدنيا. قلت: وهذا أحسن، وروي مرفوعا على ما يأتي. }فلله العزة جميعا} ظاهر هذا إيئاس السامعين من عزته، وتعريفهم أن ما وجب له من ذلك لا مطمع فيه لغيره؛ فتكون الألف واللام للعهد عند العالمين به سبحانه وبما وجب له من ذلك، وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر، ويدخل دار العزة ولله العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به؛ فإنه من اعتز بالعبد أذل الله، ومن اعتز بالله أعزه الله. قوله تعالى}إليه يصعد الكلم الطيب} وتم الكلام. ثم تبتدئ }والعمل الصالح يرفعه} على معنى: يرفعه الله، أو يرفع صاحبه. ويجوز أن يكون المعنى: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب؛ فيكون الكلام متصلا على ما يأتي بيانه. والصعود هو الحركة إلى فوق، وهو العروج أيضا. ولا يتصور ذلك في الكلام لأنه عرض، لكن ضرب صعوده مثلا لقبوله؛ لأن موضع الثواب فوق، وموضع العذاب أسفل. وقال الزجاج: يقال ارتفع الأمر إلى القاضي أي علمه؛ فهو بمعنى العلم. وخص الكلام والطب بالذكر لبيان الثواب عليه. وقوله }إليه} أي إلى الله يصعد. وقيل: يصعد إلى سمائه والمحل الذي لا يجري فيه لأحد غيره حكم. وقيل: أي يحمل الكتاب الذي كتب فيه طاعات العبد إلى السماء. و}الكلم الطيب} هو التوحيد الصادر عن عقيدة طيبة. وقيل: هو التحميد والتمجيد، وذكر الله ونحوه. وأنشدوا: فإذا وزنت فعاله بمقاله فتوازنا فإخاء ذاك جمال وقال ابن المقفع: قول بلا عمل، كثريد بلا دسم، وسحاب بلا مطر، وقوس بلا وتر. وفيه قيل: إن قولا بلا فعال جميل ونكاحا بلا ولي سواء وقرأ الضحاك }يُصعد} بضم الياء. وقرأ. جمهور الناس }الكلم} جمع كلمة. وقرأ أبو عبدالرحمن }الكلام}. قلت: فالكلام على هذا قد يطلق بمعنى الكلم وبالعكس؛ وعليه يخرج قول أبي القاسم: أقسام الكلام ثلاثة؛ فوضع الكلام موضع الكلم، والله أعلم. }والعمل الصالح يرفعه} قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: المعنى والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب. وفي الحديث قلت: ما قال ابن العربي تحقيق. والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب. وقد جاء في الآثار ذكروا عند ابن عباس أن الكلب يقطع الصلاة، فقرأ هذه الآية}إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}. وهذا استدلال بعموم على مذهب السلف في القول بالعموم، (وقد دخل في الصلاة بشروطها، فلا يقطعها عليه شيء إلا بثبوت ما يوجب ذلك؛ من مثل ما انعقدت به من قرآن أو سنة أو إجماع. وقد تعلق من رأى، ذلك بقوله عليه السلام: قوله تعالى}والذين يمكرون السيئات} ذكر الطبري في [1] {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير} قوله تعالى}والله خلقكم من تراب ثم من نطفة} قال سعيد عن قتادة قال: يعني آدم عليه السلام، والتقدير على هذا: خلق أصلكم من تراب. }ثم من نطفة} قال: أي التي أخرجها من ظهور آبائكم. }ثم جعلكم أزواجا} قال: أي زوج بعضكم بعضا، فالذكر زوج الأنثى ليتم البقاء في الدنيا إلى انقضاء مدتها. }وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} أي جعلكم أزواجا فيتزوج الذكر بالأنثى فيتناسلان بعلم الله، فلا يكون حمل ولا وضع إلا والله عالم به، فلا يخرج شيء عن تدبيره. }وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} سماه معمرا بما هو صائر إليه. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس}وما يعمر من معمر} إلا كتب عمره، كم هو سنة كم هو شهرا كم هو يوما كم هو ساعة ثم يكتب في كتاب آخر: نقص من عمره يوم، نقص شهر، نقص سنة، حتى يستوفي أجله. وقال سعيد بن جبير أيضا، قال: فما مضى من أجله فهو النقصان، وما يستقبل فهو الذي يعمره؛ فالهاء على هذا للمعمر. وعن سعيد أيضا: يكتب عمره كذا وكذا سنة، ثم يكتب في أسفل ذلك: ذهب يوم، ذهب يومان، حتى يأتي على آخره. وعن قتادة: المعمر من بلغ ستين سنة، والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة. ويذهب الفراء في معنى }وما يعمر من معمر} أي ما يكون من عمره }ولا ينقص من عمره} بمعنى آخر، أي ولا ينقص الآخر من عمره إلا في كتاب. فالكناية في }عمره} ترجع إلى آخر غير الأول. وكنى عنه بالهاء كأنه الأول، ومثله قولك: عندي درهم ونصفه، أي نصف أخر. وقيل: إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو في كتاب. وهذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام: قوله تعالى}إن ذلك على الله يسير} أي كتابة الأعمال والآجال غير متعذر عليه. وقراءة العامة }ينقص} بضم الياء وفتح القاف وقرأت فرقة منهم يعقوب }ينقص} بفتح الياء وضم القاف، أي لا ينقص من عمره شيء. يقال، نقص الشيء بنفسه ونقصه غيره، وزاد بنفسه وزاده غيره، متعد ولازم. وقرأ الأعرج والزهري }من عمْره} بتخفيف الميم وضمها الباقون. وهما لغتان مثل السحْق والسحُق. و}يسير} أي إحصاء طويل الأعمار وقصيرها لا يتعذر عليه شيء منها ولا يعزب. والفضل منه: يسر ولو سميت به إنسانا انصرف؛ لأنه فعيل. {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} قوله تعالى}وما يستوي البحران هذا عذب فرات} قال ابن عباس}فرات} حلو، و}أجاج} مر. وقرأ طلحة}هذا مَلِح أجاج} بفتح الميم وكسر اللام بغير ألف. وأما المالح فهو الذي يجعل فيه الملح. وقرأ عيسى وابن أبي إسحاق }سيغ شرابه} مثل سيد وميت. }ومن كل تأكلون لحما طريا} لا اختلاف في أنه منهما جميعا. وقد مضى في }النحل} الكلام فيه. قوله تعالى}وتستخرجون حلية تلبسونها} مذهب أبي إسحاق أن الحلية إنما تستخرج من الملح، فقيل منهما لأنهما مختلطان. وقال غيره: إنما تستخرج الأصداف التي فيها الحلية من الدر وغيره من المواضع التي فيها العذب والملح نحو العيون، فهو مأخوذ منهما؛ لأن في البحر عيونا عذبة، وبينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج. وقيل: من مطر السماء. وقال محمد بن يزيد قولا رابعا، قال: إنما تستخرج الحلية من الملح خاصة. النحاس: وهذا أحسنها وليس هذا عنده، لأنهما مختلطان، ولكن جمعا ثم أخبر عن أحدهما كما قال جل وعز وفي قوله}تلبسونها}، دليل على أن لباس كل شيء بحسبه؛ فالخاتم يجعل في الإصبع، والسوار في الذراع، والقلادة في العنق، والخلخال في الرجل. وفي البخاري والنسائي عن ابن سيرين قال قلت لعبيدة: افتراش الحرير كلبسه؟ فال نعم. قوله تعالى}وترى الفلك فيه مواخر} قال النحاس: أي ماء الملح خاصة، ولولا ذلك لقال فيهما. وقد مخرت السفينة تمخر إذا شقت الماء. وقد مضى هذا في }النحل}. }لتبتغوا من فضله} فال مجاهد: التجارة في الفلك إلى البلدان البعيدة: في مدة قريبة؛ كما تقدم في }البقرة}. وقيل: ما يستخرج من حليته ويصاد من حيتانه. }ولعلكم تشكرون} على ما آتاكم من فضله. وقيل: على ما أنجاكم من هوله. {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} قوله تعالى}يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} تقدم. }وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى} تقدم في }لقمان} بيانه. }ذلكم الله ربكم له الملك} أي هذا الذي من صنعه ما تقرر هو الخالق المدبر، والقادر المقتدر؛ فهو الذي يعبد. }والذين تدعون من دونه} يعني الأصنام. }ما يملكون من قطمير} أي لا يقدرون عليه ولا على خلقه. والقطمير القشرة الرقيقة البيضاء التي بين التمرة والنواة؛ قاله أكثر المفسرين. وقال ابن عباس: هو شق النواة؛ وهو اختيار المبرد، وقال قتادة. وعن قتادة أيضا: القطمير القمع الذي على رأس النواة. الجوهري: ويقال: هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة، تنبت منها النخلة. {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} قوله تعالى}إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} أي إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم؛ لأنها جمادات لا تبصر ولا تسمع. }ولو سمعوا ما استجابوا لكم} إذ ليس كل سامع ناطقا. وقال قتادة: المعنى لو سمعوا لم ينفعوكم. وقيل: أي لو جعلنا لهم عقولا وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم، ولما استجابوا لكم على الكفر. }ويوم القيامة يكفرون بشرككم} أي يجحدون أنكم عبدتموهم، ويتبرؤون منكم. ثم يجوز أن يرجع هذا إلى المعبودين مما يعقل؛ كالملائكة والجن والأنبياء والشياطين أي يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا، وأنهم أمروكم بعبادتهم؛ كما أخبر عن عيسى بقوله {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} قوله تعالى}يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} أي المحتاجون إليه في بقائكم وكل أحوالكم. الزمخشري}فإن قلت لم عرف الفقراء؟ قلت: قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم لأن الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر كلهم وقد شهد الله سبحانه على الإنسان بالضعف في قوله {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز} قوله تعالى}إن يشأ يذهبكم} فيه حذف؛ المعنى إن يشأ أن يذهبكم يذهبكم؛ أي يفنيكم. }ويأت بخلق جديد} أي أطوع منكم وأزكى. }وما ذلك على الله بعزيز} أي ممتنع عسير متعذر. وقد مضى. {ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير} قوله تعالى}ولا تزر وازرة وزر أخرى} تقدم الكلام فيه، وهو مقطوع مما قبله. والأصل }توزر} حذفت الواو اتباعا ليزر. }وازرة} نعت لمحذوف، أي نفس وازرة. وكذا }وإن تدع مثقلة إلى حملها} قال الفراء: أي نفس مثقلة أو دابة. قال: وهذا يقع للمذكر والمؤنث. قال الأخفش: أي وإن تدع مثقلة إنسانا إلى حملها وهو ذنوبها. والحمل ما كان على الظهر، والحمل حمل المرأة وحمل النخلة؛ حكاهما الكسائي بالفتح لا غير. وحكى ابن السكيت أن حمل النخلة يفتح ويكسر. }لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى} التقدير على قول الأخفش: ولو كان الإنسان المدعو ذا قربى. وأجاز الفراء ولو كان ذو قربى. وهذا جائز عند سيبويه، ومثله قوله تعالى}إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة} أي إنما يقبل إنذارك من يخشى عقاب الله تعالى، وهو كقوله تعالى {وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} قوله تعالى}وما يستوي الأعمى والبصير} أي الكافر والمؤمن والجاهل والعالم. مثل قلت: قوله تعالى}وما يستوي الأحياء ولا الأموات} قال ابن قتيبة: الأحياء العقلاء، والأموات الجهال. قال قتادة: هذه كلها أمثال؛ أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن. }إن الله يسمع من يشاء} أي يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته. }وما أنت بمسمع من في القبور} أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم؛ أي كما لا تسمع من مات، كذلك لا تسمع من مات قلبه. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون}بمسمع من في القبور} بحذف التنوين تخفيفا؛ أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولا يقبلونه. {إن أنت إلا نذير} أي رسول منذر؛ فليس عليك إلا التبليغ، ليس لك من الهدي شيء إنما الهدى بيد الله تبارك وتعالى. {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} قوله تعالى}إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} أي بشيرا بالجنة أهل طاعته، ونذيرا بالنار أهل معصيته. }وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} أي سلف فيها نبي. قال ابن جريج: إلا العرب. { وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير، ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير} قوله تعالى}وإن يكذبوك} يعني كفار قريش. }فقد كذب الذين من قبلهم} أنبياءهم، يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم. }جاءتهم رسلهم بالبينات} أي بالمعجزات الظاهرات والشرائع الواضحات. }وبالزبر} أي الكتب المكتوبة. }وبالكتاب المنير} أي الواضح. وكرر الزبر والكتاب وهما واحد لاختلاف اللفظين. وقيل: يرجع البينات والزبر والكتاب إلى، معنى واحد، وهو ما أنزل على الأنبياء من الكتب. }ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير} أي كيف كانت عقوبتي لهم. وأثبت ورش عن نافع وشيبة الياء في }نكيري} حيث وقعت في الوصل دون الوقف. وأثبتها يعقوب في الحالين، وحذفها الباقون في الحالين. وقد مضى هذا كله، والحمد لله. {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور} قوله تعالى}ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها} هذه الرؤية رؤية القلب والعلم؛ أي ألم ينته علمك ورأيت بقلبك أن الله أنزل؛ فـ }أن} واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي الرؤية. }فأخرجنا به ثمرات} هو من باب تلوين الخطاب. }مختلفا ألوانها} نصبت }مختلفا} نعتا لـ }ثمرات}. }ألوانها} رفع بمختلف، وصلح أن يكون نعتا ل. }ثمرات} لما دعا عليه من ذكره. ويجوز في غير القرآن رفعه؛ ومثله رأيت رجلا خارجا أبوه. }به} أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة. }ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها} الجدد جمع جدة، وهي الطرائق المختلفة الألوان، وإن كان الجميع حجرا أو ترابا. قال الأخفش: ولو كان جمع جديد لقال: جدد (بقسم الجيم والدال) نحو سرير وسرر. وقال زهير: وقيل: إن الجدد القطع، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته؛ حكاه ابن بحر قال الجوهري: والجدة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه. والجدة الطريقة، والجمع جدد؛ قال تعالى}ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها} أي طرائق تخالف لون الجبل. ومنه قولهم: ركب فلان جدة من الأمر؛ إذا رأى فيه رأيا. وكساء مجدد: فيه خطوط مختلفة. الزمخشري: وقرأ الزهري }جدد} بالضم جمع جديدة، هي الجدة؛ يقال: جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن. وقد فسربها قول أبي ذؤيب: وروي عنه }جدد بفتحتين، وهو الطريق الواضح المسفر، وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. }ومن الناس والدواب} وقرئ}والدواب} مخففا. ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ}ولا الضألين} لأن كل واحد منهما فر من التقاء الساكنين، فحرك ذلك أولهما، وحذف هذا آخرهما؛ قاله الزمخشري. }والأنعام مختلف ألوانه} أي فيهم الأحمر والأبيض والأسود وغير ذلك، وكل ذلك دليل على صانع مختار. وقال}مختلف ألوانه} فذكر الضمير مراعاة لـ }من}؛ قاله المؤرج. وقال أبو بكر بن عياش: إنما ذكر الكناية لأجل أنها مردودة إلى }ما} مضمرة؛ مجازه: ومن الناس ومن الدواب ومن الأنعام ما هو مختلف ألوانه، أي أبيض وأحمر وأسود. }وغرابيب سود} قال أبو عبيدة: الغربيب الشديد السواد؛ ففي الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ومن الجبال سود غرابيب. والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب: أسود غربيب. قال الجوهري: وتقول هذا أسود غربيب؛ أي شديد السواد. وإذا قلت: غرابيب سود، تجعل السود بدلا من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض الشيخ الغربيب) يعني الذي يخضب بالسواد. قال امرؤ القيس: وقال آخر يصف كرما: قوله تعالى}كذلك} هنا تمام الكلام؛ أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية، }إنما يخشى الله من عباده العلماء} يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته؛ فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على المعصية، كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس }إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال: الذين علموا أن الله على كل شيء قدير. وقال الربيع بن أنس من لم يخش الله تعالى فليس بعالم. وقال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل. وعن ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى علما وبالاغترار جهلا. وقيل لسعد بن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟ قال أتقاهم لربه عز وجل. وعن مجاهد قال: إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل. وعن علي رضي الله عنه قال: إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره؛ إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فقه فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها. {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور} قوله تعالى}إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية} هذه آية القراء العاملين العالمين الذين يقيمون الصلاة الفرض والنفل، وكذا في الإنفاق. وقد مضى في مقدمة الكتاب ما ينبغي أن يتخلق به قارئ القرآن. }يرجون تجارة لن تبور} قال أحمد بن يحيى: خبر }إن} }يرجون}. }ويزيدهم من فضله} قيل: الزيادة الشفاعة في الآخرة. وهذا مثل الآية الأخرى}رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} إلى قوله {والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير} قوله تعالى}والذي أوحينا إليك من الكتاب} يعني القرآن. }هو الحق مصدقا لما بين يديه} أي من الكتب }إن الله بعباده لخبير بصير}. {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير، جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير، وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} هذه الآية مشكلة؛ لأنه قال جل وعز}اصطفينا من عبادنا} ثم قال}فمنهم ظالم لنفسه} وقد تكلم العلماء فيها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. قال النحاس: فإن أصح ما روي في ذلك ما روي عن ابن عباس }فمنهم ظالم لنفسه} قال: الكافر؛ رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أيضا. وعن ابن عباس أيضا }فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال: نجت فرقتان، ويكون التقدير في العربية: فمنهم من عبادنا ظالم لنفسه؛ أي كافر. وقال الحسن: أي فاسق. ويكون الضمير الذي في }يدخلونها} يعود على المقتصد والسابق لا على الظالم. وعن عكرمة وقتادة والضحاك والفراء أن المقتصد المؤمن العاصي، والسابق التقي على الإطلاق. قالوا: وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الواقعة قلت: القول الوسط أولاها وأصحها إن شاء الله؛ لأن الكافر والمنافق لم يصطفوا بحمد الله، ولا اصطفى دينهم. وهذا قول ستة من الصحابة، وحسبك. وسنزيده بيانا وإيضاحا في باقي الآية. قوله تعالى}ثم أورثنا الكتاب} أي أعطينا. والميراث، عطاء حقيقة أو مجازا؛ فإنه يقال فيما صار للإنسان بعد موت آخر. و}الكتاب} ها هنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى القرآن، وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة، فكأنه ورث أمة محمد عليه السلام الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا. }اصطفينا} أي اخترنا. واشتقاقه من الصفو، وهو الخلوص من شوائب الكدر. وأصله اصتفونا، فأبدلت التاء طاء والواو ياء. }من عبادنا} قيل المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس وغيره. وكان اللفظ يحتمل جميع المؤمنين من كل أمة، إلا أن عباره توريث الكتاب لم تكن إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وورث سليمان يرثوه. وقيل: المصطفون الأنبياء، توارثوا الكتاب بمعنى أنه انتقل عن بعضهم إلى آخر، قال الله تعالى ي روى أن عابدين التقيا فقال: كيف حال إخوانكم بالبصرة؟ قال: بخير، إن أعطوا شكروا وإن منعوا صبروا. فقال: هذه حالة الكلاب عندنا ببلخ! عبادنا إن منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا. وقيل: الظالم من استغنى بماله، والمقتصد من استغنى بدينه، والسابق من استغنى بربه. وقيل: الظالم التالي للقرآن ولا يعمل به، والمقتصد التالي للقرآن ويعمل به، والسابق القارئ للقرآن العامل به والعالم به. وقيل: السابق الذي يدخل المسجد قبل تأذين المؤذن، والمقتصد الذي يدخل المسجد وقد أذن، والظالم الذي يدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة؛ لأنه ظلم نفسه الأجر فلم يحصل لها ما حصله غيره. وقال بعض أهل المسجد في هذا: بل السابق الذي يدرك الوقت والجماعة فيدرك الفضيلتين، والمقتصد الذي إن فاتته الجماعة لم يفرط في الوقت، والظالم الغافل عن الصلاة حتى يفوت الوقت والجماعة، فهو أولى بالظلم. وقيل: الظالم الذي يحب نفسه، والمقتصد الذي يحب دينه، والسابق الذي يحب ربه. وقيل: الظالم الذي ينتصف ولا ينصف، والمقتصد الذي ينتصف وينصف، والسابق الذي ينصف ولا ينصف. وقالت عائشة رضي الله عنها: السابق الذي أسلم قبل الهجرة، والمقتصد من أسلم بعد الهجرة، والظالم من لم يسلم إلا بالسيف؛ وهم كلهم مغفور لهم. قلت: ذكر هذه الأقوال وزيادة عليها الثعلبي في تفسيره. وبالجملة فهم طرفان وواسطة، وهو المقتصد الملازم للقصد وهو ترك الميل؛ ومنه قول جابر بن حُنَي التغلبي: أي نعاطيهم الصلح ما ركبوا بنا القصد، أي ما لم يجوروا، وليس قتلهم بمحرم علينا إن جاروا؛ فلذلك كان المقتصد منزلة بين المنزلتين، فهو فوق الظالم لنفسه ودون السابق بالخيرات. }ذلك هو الفضل الكبير} يعني إتياننا الكتاب لهم. وقيل: ذلك الاصطفاء مع علمنا بعيوبهم هو الفضل الكبير. وقيل: وعد الجنة لهؤلاء الثلاث فضل كبير. وتكلم الناس في تقديم الظالم على المقتصد والسابق فقيل: التقدير في الذكر لا يقتضي تشريفا؛ كقوله تعالى قلت: ولقد أحسن من قال: قوله تعالى}جنات عدن يدخلونها} جمعهم في الدخول لأنه ميراث، والعاق والبار في الميراث سواء إذا كانوا معترفين بالنسب؛ فالعاصي والمطيع مقرّون بالرب. وقرئ}جنة عدن} على الأفراد، كأنها جنة مختصة بالسابقين لقلتهم؛ على ما تقدم. و}جنات عدن} بالنصب على، إضمار فعل يفسره الظاهر؛ أي يدخلون جنات عدن يدخلونها. وهذا للجميع، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. وقرأ أبو عمرو }يُدخلونها} بضم الياء وفتح الخاء. قال: لقوله }يحلون}. وقد تقدم. قوله تعالى}وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال أبو ثابت: دخل رجل المسجد. فقال اللهم ارحم غربتي وأنس وحدتي يسر لي جليسا صالحا. فقال أبو الدرداء: لئن كنت صادقا فلأنا أسعد بذلك منك، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول}ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال فيجيء هذا السابق فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام ويوبخ ويقرع ثم يدخل الجنة فهم الذين قالوا}الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} وفي لفظ آخر وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين يتلقاهم الله برحمته فهم الذين يقولون }الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور إلى قوله }ولا يمسنا فيها لغوب}. وقيل: هو الذي يؤخذ منه في مقامه؛ يعني يكفر عنه بما يصيبه من الهم والحزن، ومنه قوله تعالى قلت: وهذا هو الصحيح، وقد {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور، وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} قوله تعالى}والذين كفروا لهم نار جهنم} لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم، ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم. }لا يقضى عليهم فيموتوا} مثل {ربنا أخرجنا} أي يقولون ربنا أخرجنا من جهنم وردنا إلى الدنيا. }نعمل صالحا} قال ابن عباس: أي نقل: لا إله إلا الله. }غير الذي كنا نعمل} أي من الشرك، أي نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، ونمتثل أمر الرسل. }أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} هذا جواب دعائهم؛ أي فيقال لهم، فالقول مضمر. [2] قوله تعالى}وجاءكم النذير} وقرئ }وجاءتكم النذر} واختلف فيه؛ فقيل القرآن. وقيل الرسول؛ قال زيد بن علي وابن زيد. وقال ابن عباس وعكرمة وسفيان ووكيع والحسين بن الفضل والفراء والطبري: هو الشيب. وقيل: النذير الحمى. وقيل: موت الأهل والأقارب. وقيل: كمال العقل. والنذير بمعنى الإنذار. قلت: فالشيب والحمى وموت الأهل كله إنذار بالموت؛ قال صلى الله عليه وسلم: وقال آخر: وأما موت الأهل والأقارب والأصحاب والإخوان فإنذار بالرحيل في كل وقت وأوان، وحين وزمان. قال: وقال آخر: وأما كمال العقل فبه تعرف حقائق الأمور ومفصل بين الحسنات والسيئات؛ فالعاقل يعمل لآخرته ويرغب فيما عند ربه؛ فهو نذير. وأما محمد صلى الله عليه وسلم فبعثه الله بشيرا ونذيرا إلى عباده قطعا لحججهم؛ قال الله تعالى {إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور} تقدم معناه في غير موضع. والمعنى: علم أنه لو ردكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا، كما قال {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} قوله تعالى}هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} قال قتادة: خلفا بعد خلف، قرنا بعد قرن. والخلف هو التالي للمتقدم، ولذلك قيل لأبي بكر: يا خليفة الله؛ فقال: لست بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا راض بذلك. }فمن كفر فعليه كفره} أي جزاء كفره وهو العقاب والعذاب. }ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا} أي بغضا وغضبا. }ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} أي هلاكا وضلالا. {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا} قوله تعالى}قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون} }شركاءكم} منصوب بالرؤية، ولا يجوز رفعه، وقد يجوز الرفع عند سيبويه في قولهم: قد علمت زيدا أبو من هو؟ لأن زيدا في المعنى مستفهم عنه. ولو قلت: أرأيت زيدا أبو من هو؟ لم يجز الرفع. والفرق بينهما أن معنى هذا أخبرني عنه، وكذا معنى هذا أخبروني عن شركائكم الذي تدعون من دون الله، أعبدتموهم لأن لهم شركة في خلق السموات، أم خلقوا من الأرض شيئا }أم آتيناهم كتابا} أي أم عندهم كتاب أنزلناه إليهم بالشركة. وكان في هذا رد على من عبد غير الله عز وجل؛ لأنهم لا يجدون في كتاب من الكتب أن الله عز وجل أمر أن يعبد غيره. }فهم على بينة منه} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم }على بينة} بالتوحيد، وجمع الباقون. والمعنيان متقاربان إلا أن قراءة الجمع أولى؛ لأنه لا يخلو من قرأه }على بينة} من أن يكون خالف السواد الأعظم، أو يكون جاء به على لغة من قال: جاءني طلحت، فوقف بالتاء، وهذه لغة شاذة قليلة؛ قال النحاس. وقال أبو حاتم وأبو عبيد: الجمع أولى لموافقته الخط، لأنها في مصحف عثمان }بينات} بالألف والتاء. }بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا} أي أباطيل تغر، وهو قول السادة للسفلة: إن هذه الآلهة تنفعكم وتقربكم. وقبل: إن الشيطان يعد المشركين ذلك. وقيل: وعدهم بأنهم ينصرون عليهم. {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا} قوله تعالى}إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} لما بين أن ألهتهم لا تقدر على خلق شيء من السموات والأرض بين أن القهما وممسكهما هو الله، فلا يوجد حادث إلا بإيجاده، ولا يبقى إلا ببقائه. و}أن} في موضع نصب بمعنى كراهة أن تزولا، أو لئلا تزولا، أو يحمل على المعنى؛ لأن المعنى أن الله يمنع السموات والأرض أن تزولا، فلا حاجة على هذا إلى إضمار، وهذا قول الزجاج. }ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا} قال الفراء: أي ولو زالتا ما أمسكهما من أحد. و}إن} بمعنى ما. قال: وهو مثل قوله {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا، استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا} قوله تعالى}وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير} هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله رسول محمدا صلى الله عليه وسلم، حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فلعنوا من كذب نبيه منهم، وأقسموا بالله جل اسمه }لئن جاءهم نذير} أي نبي }ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا} يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب. وكانت العرب تتمنى أن يكون منهم رسول كما كانت الرسل من بني إسرائيل، فلما جاءهم ما تمنوه وهو النذير من أنفسهم، نفروا عنه ولم يؤمنوا به.}استكبارا} أي عتوا عن الإيمان }ومكر السيئ} أي مكر العمل السيئ وهو الكفر وخدع الضعفاء، وصدهم عن الإيمان ليكثر أتباعهم. وأنث }من إحدى الأمم} لتأنيث أمة؛ قاله الأخفش. وقرأ حمزة والأخفش }ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ} فحذف الإعراب من الأول وأثبته في الثاني. قال الزجاج: وهو لحن؛ وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه. وزعم المبرد أنه لا يجوز في كلام ولا في شعر؛ لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها، لأنها دخلت للفرق بين المعاني. وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش على جلالته ومحله يقرأ بهذا، قال: إنما كان يقف عليه، فغلط من أدى عنه، قال: والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعرب باتفاق، والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين. وقد احتج بعض النحويين لحمزة في هذا بقول سيبويه، وأنه أنشد هو وغيره: وقال الآخر: وهذا لاحجة فيه؛ لأن سيبويه لم يجزه، وإنما حكاه عن بعض النحويين، والحديث إذا قيل فيه عن بعض العلماء لم يكن فيه حجة، فكيف وإنما جاء به على وجه الشذوذ ولضرورة الشعر وقد خولف فيه. وزعم الزجاج أن أبا العباس أنشده: وأنه أنشد: بوصل الألف على الأمر؛ ذكر جميعه النحاس. الزمخشري: وقرأ حمزة }ومكر السيئ} بسكون الهمزة، وذلك لاستثقاله الحركات، ولعله اختلس فظن سكونا، أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ }ولا يحيق}. وقرأ ابن مسعود }ومكرا سيئا} وقال المهدوي: ومن سكن الهمزة من قوله}ومكر السيئ} فهو على تقدير الوقف عليه، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، أو على أنه أسكن الهمزة لتوالي الكسرات والياءات، كما قال: قال القشيري: وقرأ حمزة }ومكر السيئ بسكون الهمزة، وخطأه أقوام. وقال قوم: لعله وقف عليه لأنه تمام الكلام، فغلط الراوي و روى ذلك عنه في الإدراج، وقد سبق الكلام في أمثال هذا، وقلنا: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأه فلا بد من جوازه، ولا يجوز أن يقال: إنه لحن، ولعل مراد من صار إلى الخطة أن غيره أفصح منه، وإن كان هو فصيحا. }ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} أي لا ينزل عاقبه الشرك إلا بمن أشرك. وقيل: هذا إشارة إلى قتلهم ببدر. وقال الشاعر: أي تنزل، وهذا قول قطرب. وقال الكلبى}يحيق} بمعنى يحيط. والحوق الإحاطة، يقال: حاق به كذا أي أحاط به. وعن ابن عباس أن كعبا قال له: إني أجد في التوراة }من حفر لأخيه حفرة وقع فيها}؟ فقال ابن عباس: فاني أوجدك في القرآن ذلك. قال: وأين؟ قال: فاقرأ }ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} ومن أمثال العرب }من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا} و إلى متى أنت وحتى متى تحصي المصائب وتنسى النعم وفي الحديث قوله تعالى}فهل ينظرون إلا سنة الأولين} أي إنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين. }فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا} أي أجرى الله العذاب على الكفار، وجعل ذلك سنة فيهم، فهو يعذب بمثله من استحقه، لا يقدر أحد أن يبدل ذلك، ولا أن يحول العذاب عن نفسه إلى غيره. والسنة الطريقة، والجمع سنن. وقد مضى في }آل عمران} وأضافها إلى الله عز وجل. وقال في موضع آخر}سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا} فأضاف إلى القوم لتعلق الأمر بالجانبين؛ وهو كالأجل، تارة يضاف إلى الله، تارة إلى القوم؛ قال الله تعالى
|